التكيف الاجتماعي SOCIAL ADAPTATION
ان التكيف الاجتماعي مفهوم مستمد أساسا من علم البيولوجيا على نحو ما حددته نظرية تشارلس دارون المعروفة بنظرية النشوء والارتقاء (1859) و يشير هذا المفهوم عادة الى ان الكائن الحي يحاول ان يوائم بين نفسه والعالم الطبيعي الذي يعيش فيه محاولة منه من اجل البقاء . ووفقاً لهذا المفهوم يمكن ان يوصف سلوك الانسان بكونه ردود افعال للعديد من المطالب والضغوط البيئية التي يعيش فيها كالمناخ وغيرها من عناصر البيئة الطبيعية ومتغيرات البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الانسان من افراد وجماعات
"ان لكلمة التكيف ((Adaptation)) في الواقع اكثر من معنى واحد يظهر في حياتنا اليومية وفي مناسبات مختلفة وميادين متنوعة منها تكيف اعضاء الجسم مع الشروط الطبيعية المحيطة. وتكيف الفرد مع البيئة الاجتماعية الجديدة التي يأتي أليها. " وتكيف الطالب مع الحياة المدرسية او الحياة الجامعية .
(القمش ،2000،38) ( عوض ، 1977،63)
"إن علم النفس يعد هذه الظاهرة تلك الطريقة أو العملية الديناميكية التي
يهدف بها الشخص إلى ان يعدل في سلوكه ليكون اكثر تكيفاً بينه وبين نفسه من ناحية
وبينه وبين البيئة التي يعيش فيها من ناحية أخرى وبهذه الطريقة أو العملية يستطيع
الفرد من تكوين علاقات مرضية وجيدة مع البيئة التي يعيش فيها المتمثلة بالاسره أو المدرسة وعالمة الذي يحيط به" . (مجلة التربية القطرية ،1984،63)
وبهذه العملية المستمرة والتي يهدف بها الشخص تكوين العلاقات المرضية بينه وبين البيئة التي يعيش فيها محاولة منه احداث نوع من التوائم والتوازن بينه وبين البيئة المادية والاجتماعية عن طريق الامتثال لها او التحكم فيها بما يناسب المواقف الجديدة .
البيئة هنا عبارة عن المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان بأفراده وعاداته والقوانين التي تنظم الافراد وعلاقاتهم بعضهم ببعض ان كل إنسان منا ينتمي الى أسره يعيش بين أعضائها وكل منا ينتمي الى وطن معين والى مجتمع معين يعيش بين افراده ويرتبط معهم بعلاقات اجتماعية واقتصادية وروحية وثقافية مختلفة (الخولي ، 1976،20-21)
وهذا المجتمع الذي يعيش فيه الانسان كونه لا يستطيع ان يعيش في فراغ اذ تحدث داخل إطار هذا المجتمع عمليات من التأثير والتأثر المتبادلة التي تتم بين أفراد ذلك المجتمع ويحدث بين هؤلاء الأفراد نمط ثقافي معين كما انهم يتصرفون وفق مجموعة من النظم والتقاليد والعادات والقيم التي يخضعون لها للوصول الى حل مشاكلهم الحيوية لاستمرار بقائهم بطريقة صحيحة نفسياً واجتماعياً . وتعرف هذه العملية في مجال علم النفس الاجتماعي باسم
" عملية التطبيع الاجتماعي " ان التطبيع الاجتماعي يتم داخل إطار العلاقات الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد ويتفاعل معها في مجتمع الأسرة او المدرسة او الرفاق او المجتمع الكبير بصفة عامة والتطبيع الاجتماعي الذي يحدث في هذه الناحية ذو طبيعة تكوينية لان الكيان الشخصي والاجتماعي للفرد يبدأ من اكتساب الطابع الاجتماعي السائد في المجتمع على الوجه الذي يحقق للفرد قدراً من التكيف الشخصي والاجتماعي من خلال الالتزام بأخلاقيات المجتمع النابعة من تراثه الروحي والديني والتاريخي . والامتثال لقواعد الضبط الاجتماعي والتي هي مجموعة من القواعد والنظم التي تضبط علاقات الفرد بالجماعة . ان نمو قدرة الفرد في أثناء عملية التطبع الاجتماعي على الضبط الاجتماعي هو اشبه بالرقيب (Censor) الذي يعظم حياة الفرد الاجتماعية والنفسية داخل إطار العلاقات الاجتماعية (فهمي ،1978: 23-24) وكثيرا ما تستعمل كلمة التكيف في علم الاجتماع حيث دراسة تكون الجماعات والزمر وعلاقات الأفراد مع الجماعة او علاقات الجماعات الصغيرة مع بعضها او مع الجماعة الكبيرة وهذه العلاقات تكون علاقات قبول الأفراد والجماعات فقبول الراضي او قبول الخاضع وما تشير به الجماعة الكبيرة هو عملية تكيف كذلك قبول الطفل تدريجياً ما يطلب اليه في البيت
والمدرسة هو عملية تكيف
مراحل التكيف الاجتماعي :ان سني الطفولة الأولى لها أهميتها في تنشئة الطفل وفي تمتعه بأكبر قسط من التكيف السليم في مستقبل حياته. ولذلك وجب على المربين ان يتفهموا احسن السبل للتعامل مع الطفل في مراحل نموه الأولى لكي تضمن له نمواً سليماً متطوراً (فهمي ،1987،790).
اذ ان الطفل يولد في مجتمع ذي ميراث ثقافي معين فانه ينمو ليتبنى نمطاً من السلوك الاجتماعي يعكس عادات مجتمعه ومفاهيمه وكما هو الحال في أنواع النمو الأخرى فان التكيف الاجتماعي للطفل يتخذ تدريجيا نمطاً معيناً من خلال تغيره الدائم في تقدمه نحو النضج الاجتماعي وبالرغم من بعض مظاهر سلوكه تميل الى الثبات خلال حياته كلها فان الكثير من الفروق تتبدى بين أنماط استجابة الأطفال اجتماعياً (عاقل ،1966،554).
ان فكرة التكيف للبيئة من الأفكار الأساسية في علم النفس لان معيار النشاط الذي يدرسه هذا العلم يبدو في أثناء تكيف الإنسان لبيئته والتي هي مجموعة من العوامل الخارجية التي يمكن ان تؤثر في نمو الكائن ونشاطه منذ بدء تكوينه الى أخر حياته والبيئة أما مادية أو بيولوجية او اجتماعية بعواملها المتعددة وتؤثر على درجة تكيف الفرد.(فهمي ،1987،114)
الواضح أن عملية التكيف عملية مستمرة لا تكاد تخلو لحظه من حياتنا منها بل نستطيع ان نقول ان أي سلوك يصدر عن الفرد ما هو الا نوع من التكيف مع البيئة المادية والاجتماعية على اعتبار ان التكيف الاجتماعي المدرسي متغيراً مع البيئة المادية والاجتماعية مهماً من متغيرات الشخصية اذ تشير العديد من الدراسات الى أهمية هذا المتغير في مرحلة المراهقة وذلك لما تتسم به هذه المرحلة من حساسية نتيجة للتغيرات التي يتعرض لها الفرد على المستوى الجسمي والانفعالي وما يصاحبها من تغير في الأحاسيس والمشاعر وما يترتب على ذلك من تقلب انفعالي مستمر يجعله في حاله من الصراع مع من حوله من افرد الجماعة . (راجح،،1973،23)
ان الطلبة كغيرهم من أفراد المجتمع لهم دوافعهم وحاجاتهم الجسمية والنفسية والاجتماعية التي يرغبون الى إشباعها ويتوقف تكيفهم على درجة هذا الإشباع وعلى المدرسة ان تأخذ دورها في مساعدة الطلبة من اجل الوصول الى مستوى التكيف الاجتماعي السليم وان عدم تمكن المدرسة من اشباع حاجات طلابها يؤدي الى نتائج سلبية اهمها فشلهم في التكيف مع جو المدرسة الامر الذي يؤثر في مستواهم العلمي
قال تعالى " وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم "
والتكيف الاجتماعي عملية اجتماعية على جانب كبير من الأهمية ومؤداها أن يتكيف الإنسان بالبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها ويصبح قطعة منها وعنصراً منسجماً مع عناصرها ، فلا يشعر بوطأة نظمها ولا يضيق ذرعاً بأوضاعها ، بل ترسب في نفسه هذه النظم والأوضاع في تكوينه وتصبح من أهم مقومات شخصيته ومن أعزما يحرص عليه ولهذا فإن معيار الاستقرار النفسي ومن سمات الشخصية السوية قدرتها على التكيف مع الآخرين والتوافق مع الأوضاع الاجتماعية وتحقيق قدراً معقولاً من التواصل مع الآخرين وأن يطبع النفس على التقابل لا التنافر فمن الناس من نفسه مردت على النفور ورفض كل ما هو مخالف لطباعه ، وقد يدعي هذا أنه مكتمل الشخصية وإننا لننبه إلى ذلك ونحذر منه حيث إنه من تمام كمال شخصية الإنسان أن يمتلك تلك القدرة وهي التكيف الثقافي مع الآخرين والذي يتكون في المراحل الأولى في حياة الإنسان ويجني ثماره عندما يكبر ولا يعني ذلك أن الإنسان لا يستطيع ترويض نفسه وتصحيح ما لديه من مفاهيم مغلوطة ويقبل آراء الآخرين ، كما يستطيع أن يقنعهم برأيه
وتظهر قدرة الإنسان على التكيف حينما ينتقل إلى بيئة اجتماعية تختلف عن بيئته في بعض أنماطها الثقافية ،ففي هذه الحالة يشعر الفرد بوطأة النظم الجديدة ، ولا بد له من المران والترويض للنفس على الحياة الجديدة .
لأنه يشعر في بادئ الأمر بمقاومة داخلية وصراع عنيف بين تراثه الراسب في تكوينه وفي شعوره وبين الأوضاع الجديدة ونظمها .
هل التكيف يعارض التنافس ؟
لا تعارض بين التكيف والتنافس إذ إن التكيف يقوم على التفاعل مع الآخرين والاحتكاك بهم والتنافس الحر يحقق ذلك التفاعل ويسهم في التكيف فالتنافس عملية اجتماعية منشطة للقوى والإمكانيات الإنسانية مادام في الحدود المعقولة .
أما إذا خرج التنافس عن حدوده المعقولة انقلب إلى صراع فإذا ازدادت حدة الصراع أدى ذلك إلى تنافر بين المتصارعين وتراجعت إمكانية التكيف .
فالصراع من أخطر العمليات الاجتماعية ، فهو مظهر من متطرف للمنافسة حيث يحاول كل طرف أن يخرج كل ما في جعبته ليحقق نصراً على الآخر ربما دفعه ذلك الصراع إلى الظلم وكثيراً ما يحدث فينسى ما ربي عليه من قيم ومبادئ دينية وبذلك يفصل بين الدين وسلوكه وتلك مصيبة عظمى إذ إنه يبدي العداوة لخصمه ونهى الدين عن ذلك
وإننا لنحذر من مثل ذلك السلوك إذ إنه يجنح بصاحبه فيصرفه عن الدين ويسمح للشيطان أن يتلاعب به ويصرفه كذلك عن المظهر اللائق للشخصية السوية وديننا لا يعرف الشحناء والبغضاء .
ولهذا يجب على كل من يرى أنه يعادي غيره ولا يرى رغبة في التعامل معه أن يراجع نفسه في إطار ما تقدم ويحاول أن يسلك ما يأتي :
1 – الحرص على التفاعل مع الآخرين .
إذا حاول الإنسان التفاعل مع الآخرين وهو يشعر أنه بحاجة إليهم كما أنهم بحاجة إليه فإنه يرى أنه من الضروري المحافظة عليهم وعدم التخلي عنهم .
2 – التفهم لمشاعر الآخرين وأفكارهم واتجاهاتهم .
إذا استطعنا أن نتفهم مشاعر الآخرين وأفكارهم واحترمنا هذه الأفكار ولم نقلل من شأنهم لحققنا قدراً كبيراً في مجال التكيف والتواصل ولدفعناهم إلى احترامنا وذلك لأن الإنسان بطبعه محب للمدح والثناء والاحترام فيبادل من يحترمه ويقدره الاحترام والتقدير وهكذا يتم التفاعل من خلال جو من التقدير لا الامتهان والتقليل من شأن الغير .
3 – أظهر التواضع للآخرين ولا تكن نرجسياً أو كالطاووس الذي يغتر بمظهره
4 – لا تكثر من الحديث عن علمك وقدراتك دون أن تستمع إلى الآخرين فمن قل علمه كثر كلامه عن ذلك القليل .
5 – لا تكن سادياً تحب الإيذاء للآخرين .
من الناس من أصيبت نفسه بمرض السادية وهو التلذذ بإيذاء الآخرين وقد لا يشعر بذلك وعندها يكرهه الآخرون ويشعر بعداوتهم فراجع نفسك في ذلك .
6 – عوّد نفسك الصفح والعفو عن الآخرين وليكن مبدؤك " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين "
7 – التمس الأعذار للناس وردد دائماً " لعل له عذراً وأنت تلوم "
8 – اصبر على ما تكره من صديق أو زميل وليكن صبرك ابتغاء مرضاة الله عز وجل .
9 – اعلم أن الرزق بيد الله ولن يستطيع أحد أن يحرمك رزقاً كتبه الله لك فكما قيل " الإنسان على الرزق حائر والرزق على الإنسان دائر وبسكون أحدهما يلتقيان .
10 – كن أنت البادئ بالسلام ومخاطبة الآخرين بما تحب أن يخاطبوك .
إذا تكنا من العمل بذلك ذاب ما بيننا من عداوة وحل محله الود والتواصل ، وأصبحت قلوبنا نظيفة عامرة إذ إن العداوة لا تسكن إلا القلوب الخربة